مصر: الحكومة تخطط لتصدير الكهرباء للعالم والشعب يعاني من انقطاعات التيار

زاوية ثالثة

Read this article in English

“تصدير مصر الكهرباء للخارج يأتي نتيجة امتلاكها احتياطيًّا ضخمًا من الطاقة بمختلف أنواعها – سواء الغاز أو الكهرباء أو الطاقة المتجددة – مما يسهم في زيادة الدخل القومي، وجعل مصر سوقًا جاذبًا للاستثمار في مجال الطاقة”.  بيان لرئاسة الوزراء المصرية في سبتمبر 2020.

لكن عادت مصر مجددًا إلى عصر انقطاع الكهرباء لفترات طويلة، حيث تواجه أزمة خانقة في مجال إمدادات الكهرباء، وأصبحت انقطاعات التيار الكهربائي ظاهرة يومية تعاني منها معظم المحافظات المصرية. بحسب البيانات الرسمية للحكومة المصرية “لن يزيد انقطاع الكهرباء عن ساعة يوميًا”، لكن بحسب ما يحدث على أرض الواقع، قد زادت فترة انقطاع الكهرباء إلى نحو ست ساعات متواصلة في بعض المناطق الشعبية والقرى، وساعة واحدة في بعض المدن الكبرى. يحدث هذا تزامنًا مع موجة الحر، إذ اقتربت درجات الحرارة من حاجز الـ 50 مئوية في بعض الأيام.

ويعود تاريخ بداية الأزمة الحالية إلى نحو شهرين، إلا أنها تفاقمت بشكل ملحوظ خلال الأسابيع الماضية، أصبح متوسط عدد ساعات انقطاع الكهرباء يوميًا نحو 3 ساعات في أكثر مناطق مصر.

أسباب الأزمة

تعود أسباب أزمة انقطاع التيار الكهربائي إلى اضطرار وزارة الكهرباء المصرية لـ “تخفيف الأحمال” نتيجة زيادة الاستهلاك، وفي ظل نقص كميات الغاز الطبيعي والمواد البترولية اللازمة لتشغيل بعض الوحدات، طبقًا لما أكده وزير الكهرباء المصري، محمد شاكر.

يقول محللون إن صادرات الغاز المسال المصرية في وضع صعب، وسط تفاقم ضغوط الطلب المحلي وتراجع أسعار الغاز الفورية. ومن أجل زيادة تصدير الغاز، لجأت مصر إلى خفض إمدادات الغاز لمحطات الكهرباء المحلية واستبدلت بزيت الوقود الذي يعدّ أكثر تلوثًا، لكنه أقل تكلفة لتوليد الكهرباء.

علاوة على ذلك، اتفقت القاهرة مع تل أبيب على السماح للأخيرة بزيادة إمداداتها من الغاز بنسبة 50% عبر مسار جديد يمرّ عن طريق الأردن.

وحملت هذه التدابير بشرى كبيرة لقطاع الغاز المصري واقتصاد الدولة، إذ قفزت صادرات الغاز المسال المصرية إلى مستويات قياسية، لتصل إلى 7.4 مليون طن في عام 2022، بزيادة قدرها 12.1% على أساس سنوي، لكنها أثرت على قطاع الكهرباء وبالتالي على المواطنين بشكل مباشر، حيث أدى انقطاع الكهرباء وعودته بشكل مفاجىء إلى تأثيرات سلبية على الأجهزة المنزلية، وقد أبلغ عدد من المواطنين عن تعطل أجهزة منزلية كالثلاجات والتلفزيونات وغيرها.

وقال خبير الطاقة المحاضر في جامعة “لافبروه” البريطانية، شريف الفقي، في تصريحات صحفية إنه رغم هذا الاستهلاك التاريخي، إلا أن وزارة الكهرباء صرحت أن لديها فائض يتجاوز 9 آلاف ميغاوات، موضحًا أن الحكومة لا ترغب أن تتراجع نسبة صادراتها من الغاز وبالتالي تتفاقم أزمة الدولار، لذلك لجأت إلى قرار تخفيف الأحمال بقطع الكهرباء عن محافظات الجمهورية.

وأضاف أن المشكلة أن مصر تولي الاهتمام الأكبر لسياسات التصدير على حساب السوق المحلي، موضحًا أنه رغم ارتفاع صادرات مصر من الغاز في العام الماضي، فلم يشعر السوق المحلي بأي تحسن، بل زادت الأسعار بشكل أكبر.

لكن رئيس الوزراء المصري صرح أن المشكلة ليست نقصًا في احتياطي الغاز الطبيعي لدينا، ولا تتعلق أيضًا بنضوب حقل “ظهر” وتراجُع كميات الغاز المستخرجة منه، كما يُقال. كما نفى “مدبولي” أن الدولة المصرية تُفضل تصدير الغاز الطبيعي بدلًا من توفيره لمواطنيها، أو أن هناك عدم كفاءة لمشروعات الكهرباء العملاقة التي تم إنشاؤها خلال السنوات الماضية، مُعلقًا: “كل ذلك غير صحيح، فالغاز الطبيعي مُتوافر بنفس الكميات”، مُضيفًا أنه في أشهر الصيف، ووفقًا لخطة الدولة، يتم إيقاف تصدير الغاز بالكامل؛ نظرًا لأن حجم الاستهلاك المحلي يزيد في تلك الفترة، لذا؛ يتم التصدير في فصول الشتاء والربيع والخريف؛ بحيث يكون الاستهلاك محليًا أقل، وبالتالي يتسنى تصدير الفائض من الغاز الطبيعي.

وأوضح الدكتور مصطفى مدبولي أنه بشكل علمي، فإن المشروعات الكبيرة التي قامت بها الدولة في قطاع الكهرباء، قد مكنتنا اليوم من الوقوف على أرض صلبة في هذه الأزمة، معتبرًا أنه بدون تلك المشروعات كنا سنواجه وضعًا عكسيًا، فبدلاً من أن نواجه اليوم انقطاع الكهرباء لعدة ساعات يوميًا فقط، كانت القدرات المتوافرة دون هذه المشروعات لن تسمح بوجود الكهرباء سوى لعدة ساعات، ليمر باقي اليوم بلا كهرباء.

خطة الحكومة لمواجهة انقطاع الكهرباء

اتخذت الحكومة المصرية عددًا من الإجراءات، منها:

– تخفيف الأحمال (قطع الكهرباء) من ساعة إلى اثنتين يوميًا عندما تتجاوز الحرارة 35 درجة، وأن يكون هناك انعقاد للجنة أزمة يومية لمتابعة تطبيق هذه القرارات.

– سيتم تخصيص يوم الأحد (أول أيام أسبوع العمل الرسمي في مصر) للعمل من المنزل “أون لاين”، وذلك سيكون يوم الأحد من كل أسبوع طوال شهر أغسطس، وذلك للموظفين في المصالح الحكومية والمباني الخدمية غير المرتبطة بالتعامل المباشر مع الجمهور، لتخفيف الأحمال، بعد ملاحظة أن الاستهلاك يقل في أيام الإجازة الأسبوعية.

– ودعا رئيس الوزراء الشركات الخاصة التي تعمل بنظام المكاتب والشغل الخدمي الذي لا يحتاج إنتاج، والتي تسمح ظروف عملها بعمل الموظفين من منازلهم، بالسماح بالعمل من المنزل أون لاين لتخفيف الكهرباء على المباني.

– استيراد شحنات إضافية من المازوت في الأيام المقبلة، وحجم المستورد من اليوم وحتى نهاية شهر أغسطس المقبل، يقدر بـ 250 لـ 300 مليون دولار إضافية بشحنات إضافية لتحقيق توازن في الشبكة، وهذه الأرقام غير مقدرة في الموازنة، وستتعاون الحكومة مع البنك المركزي لتوفير هذا الحجم.

– الترشيد في الإنارة العامة لكل الأماكن العامة سواء الشوارع أو المباني الحكومية أو المباني الخدمية.

– ستلعب كل مباريات كرة القدم في الوقت قبل المغرب وتنتهي المباراة مع حلول المغرب مباشرة لتقليل استهلاك الكهرباء في المنشآت الرياضية.

كما دعت الحكومة المصرية إلى ضرورة نشر الوعي بين جميع شرائح المجتمع حول أهمية ترشيد استهلاك الكهرباء، وتبني أنماط استخدام أكثر كفاءة للحفاظ على الطاقة.


تأثير انقطاع التيار

قد تسببت أزمة انقطاعات الكهرباء في آثار سلبية جمة على مختلف شرائح المجتمع والقطاعات الحيوية في مصر.

فعلى المستوى الشعبي، عانى المواطنون من تعطل ممارسة حياتهم اليومية بشكل طبيعي نتيجة لتكرار انقطاعات التيار الكهربائي وطول مدتها، مما تسبب في إحباط وغضب شعبي واسع.

أما في المجال الاقتصادي، فقد تكبد قطاع الأعمال والصناعة خسائر فادحة، لا سيما المصانع التي اضطرت إلى تقليص ساعات العمل وشراء مولدات كهرباء باهظة التكاليف لتعويض نقص التيار الكهربائي.

قال خبير الطاقة المحاضر في جامعة “لافبروه” البريطانية، شريف الفقي، أن الحكومة تريد إقناع المواطنين في مصر أنها لا تزال تدعم الكهرباء، وبالتالي تحملهم مسؤولية هذه الأزمة بقطع الكهرباء خلال موجة الحر، لكن الواقع يقول إن المواطن يتحمل أعلى من التكلفة الفعلية لإنتاج الكهرباء في مصر، موضحًا أن الموازنة العامة لا يوجد بها أي مخصصات لدعم الكهرباء.

وتابع أنه رغم الفائض في إنتاج الكهرباء منذ عام 2019 بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الغاز عالميًا بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، فلم يشعر المواطن بأي تحسن في أسعار فواتير الكهرباء، بل حدث العكس وهو إلغاء الدعم على الكهرباء محلياً تقريباً بشكل كلي.

وأوضح الفقي أن الأزمة سببها أن وزارة البترول تبيع الغاز لوزارة الكهرباء بالسعر العالمي، وليس بسعر التكلفة، وبالتالي يتحمل المواطنون في مصر فرق السعر المرتفع عبر رفع فواتير الكهرباء.

وبدأت الحكومة المصرية في يوليو 2014، خطة لإلغاء الدعم عن الكهرباء تدريجيًا، وكان من المقرر أن تستمر على مدار 5 سنوات لتنتهي في 2019، قبل أن يقرر، في يونيو الماضي، تمديد برنامج الدعم حتى يونيو 2025 لتخفيف تداعيات فيروس كورونا على المواطنين.

لكن وثيقة نشرتها صحيفة “الشرق”، في مارس الماضي، كشفت أن الحكومة المصرية حررت أسعار الكهرباء، ولم تُوجّه أي دعم للمواطنين خلال آخر عامين ماليين ليسجل بند دعم الكهرباء صفرًا في الحساب الختامي لأعوام 2019-2020 و2020-2021.

وأوضحت الوثيقة أن مصر ألغت في 2020 الدعم بالكامل عن الاستهلاك المنزلي الذي يتخطى 650 كيلووات ساعة شهريًا، ليحصل على الكهرباء بالتكلفة الفعلية، فيما يستمر الدعم التبادلي من المستهلكين لأكثر من 1000 كيلووات ساعة شهريًا، ويعني ذلك أنهم يحصلون على الكهرباء بأكثر من سعر التكلفة لصالح دعم الشرائح الأقل استهلاكًا.

يذكر أنه ازداد الحديث خلال السنوات الأخيرة عن ضرورة فتح أسواق لتصدير الكهرباء المصرية، في ظل تحقيق فائض يصل إلى 13 ألف ميغاواط يوميًا. وترتبط الشبكة القومية للكهرباء في مصر مع الأردن وفلسطين وليبيا والسودان، ولديها خطة للربط مع السعودية عبر خط بقدرة ثلاثة جيجاواط بحلول عام 2025.

وكشف تقرير صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ارتفاع صادرات الطاقة الكهربائية إلى 108.9 مليون دولار خلال عام 2022 في مقابل 71.3 مليون دولار خلال العام السابق عليه، بزيادة بلغت قيمتها 37.5 مليون دولار بنسبة ارتفاع 52.7 في المئة.

وارتفع ترتيب مصر في المؤشر الدولي للحصول على الكهرباء إلى المركز 77 عام 2020 ارتفاعاً من 145 عام 2014، نتيجة زيادة قدرات التوليد التي بلغت أكثر من 59 ألف ميجاواط وفق أرقام رسمية لوزارة الكهرباء أعلنتها في ديسمبر 2020، إضافة إلى تحسين قدرات محطات المحولات للجهد الفائق والجهد العالي.

أضف تعليق