
مدونات الجزيرة
على كل حال ورغم أنني لا أرى من الإنجازات إلّا أن “كُشكي” العزيز ما زال قائمًا في مكانه، لم تهدمه الحكومة بعد، إلا أنني سأصدق كل ما يُكتب في الجرائد من إنجازات، ولا أحب أن يسألني أحدهم كيف أصدقها وأنا لا أشعر بها؟! ولو تصادف وسألني أحدهم، سأنظر خلفي ويميني ويساري وفوقي وتحتي، وأهمس في أذنه قائلًا: “لا تسألوا عن أشياء إن تُبد لكم تسؤكم”.
وفي إحدى الصباحات غير المبهجة التي لا تفرق عما قبلها، استيقظت من نومي مبكرًا جدًا، ونظرت بجواري فوجدت أحدهم يصدر أصواتا من أنفه، ووجدتي أصرخ وأضرب تعظيم سلام وأردد “سيادة الريس بنفسه؟” إلى أن سمعت صوتها وهي تتحصر على حالي “انت رجعت للحشيش تاني يا راجل؟”، إنها زوجتي، ولا أدري كيف خُيّل لي أنها الرئيس، يبدو أن رؤية صورته في كل مكان جعلتني أتخيلها هو، تركت غرفتي وحاولت فتح الشباك لأدخن سيجارة بملابسي الداخلية كالعادة، ولكن الشباك لم يفتح بسهولة، فتحته بالقوة فإذا بشيء كان متعلقًا عليه ويسقط في الشارع؛ نظرت إلى الأسفل فوجدت صورة الرئيس وكان أحدهم قد تبرع ليضعها على شرفة منزلي.
الحمد لله، لم يراني أحد الجيران حتى لا يظنني خائنًا أو جاسوسًا أو عضو في خلية ارهابية بعد أن أسقطت صورة الرئيس على الأرض فيبلغ عني فورًا ويتم تصفيتي في أثناء محاولتي إشعال السيجارة، تلفتّ يمينا ويسارًا فوجدت صورته معلقة هنا وهناك، نظرت إلى السماء باحثًا عن الشمس، فوجدته يحجبها ويبتسم لي وبجواره رمز النجمة وصورة للحاج برعي السباك يعلن دعمه بكل ما أوتي من صنابير مياه. أغلقت الشباك وفتحت التلفاز فوجدته في أخبار الصباح يحدثنا عن أنه استطاع محاربة الإرهاب في 3 دقائق، وأن الدولة تنشئ 9 مشاريع في الدقيقة الواحدة، وطريق جديد كل ربع ساعة، ويتحدث عن ضرورة رفع الدعم، وفي الوقت ذاته عن ضرورة تخفيض الأسعار، عن احترامه حقوق الإنسان، وعن انتقاده من يطالبه بتطبيق حقوق الإنسان في وقت يحارب فيه الإرهاب.
والحمد لله، مر موكب سيارات الشرطة بسلام ولم يمسسني عسكري. ولما وصلت أخيرًا إلى الكشك الغالي على قلبي، وجدت سيارات شرطة وعساكر ولواءات وعمال وكراكات هدم وكأنهم قد نقلوا الحرب على الإرهاب من حدود الصحراء إلى حدود كشكي، يا إلهي، إنهم يحطمونه! حاولت الصراخ مستنجدًا حاولت البكاء حاولت الكلام حاولت التنفس، فلم أستطع، لأن ضابط شرطة قد أخبرني ألا أتحدث وإلا سيأخذوني على القسم مع الكشك. فحاولت حينها ألا أبدو للضابط على أنني معترض لا سمح الله، ولكني فقط أترجاه وأطلب السماح، على ماذا لا أدري، ولكني أبي رحمه الله قبل أن أرث منه الكشك قد أخبرني أن علي أن أطلب السماح من الشرطة عند الوقوع في مشكلة معهم، لأنني من دون تفكير المخطئ الوحيد في هذه المعركة، رجال الشرطة لا يخطئون ولا يذنبون.
– لا تهدموه لأنني أحبكم وأحبه، لا تهدموه لأنني أحب الرئيس وأحبه.
فهمس الضابط في أذني قائلًا:
– هذا هو “الكشك” الوحيد في المنطقة، الذي لم يعلق صورة الرئيس بعد. لن نسمح بالفوضى من جديد.